بقلم عبدالغني محمد الشيخ
قالوا: عقدتونا بالتجربة اليابانية ..
اليابان دولة لا بترول أو أرض شاسعة لديها..
لديها براكين، زلازل و فيضانات جارفة سنويا.. تهدم؛ وهم يعيدون البناء.. مع ذلك تصدرت العالمية حين خرجت من بين انقاض هيروشيما وناجازاكي.. اليابانيون ماكينة عمل.. ابداع و تنوير .. شعب يقود العالم بابتكاراته وضخامة انتاجه.. عَلّم العالم كيف يعمل وينتج .. ينتجون كل ما يحتاجه البشرية من الابرة للصاروخ بجودة عالمية..
يتعلمون حب اليابان منذ الولادة.. فتفوق زلزالهم على كنوزنا وبترولنا..
نعم، يمكن الاستفادة من تقنيتهم المتقدمة لكن أن يبيعونها لنا؟ مستحيل .. يمكن يبيعوننا أجزاء من تقنياتهم المنتهي صلاحياتها!.
التجربة الماليزية
كانت وجهتنا فترة حكم حزب د/مهاتير محمد الأولى جربناها في مشروع المدن الاقتصادية والابتعاث طلعت بالمقلوب.. فلا ينسى السعوديين (مقلب غزال واحد و غزال اثنين)،ثم ابتعاث مرتكز على الشهادات العلمية بدون احتياج فعلي ومراكز بحثية .. نرجو الله أن تجني الدولة عوائد هذا الاستثمار!
التجربة الماليزية طلعت فضفاضة أكبر من مقاسنا.. فطارت الطيور بارزاقها!.
التجربة السنغافورية
قالو نجرب سنغافورا .. يبدو انها لم تضبط معنا.. لأن تجاربهم ليست للبيع.. سنغافورا الصغيرة عديمة الثروات الطبيعية.. متعددة العرقيات، السنغوريون شعب لا يفرط في ثقافته.
تحدث مانو بهاسكاران، مساعد زميل بحوث أول، في معهد الدراسات السياسية، في جمهورية سنغافورة، عن «التجربة التنموية السنغافورية»، مشيراً إلى وجود مجموعة من المبادئ التي قامت عليها عملية التنمية..
وهي: إنشاء قدرة متميزة على تنظيم المجتمع والاقتصاد، بحيث يقتنع المجتمع بأهمية العملية التنموية،
وضع أسس ذات صلة بالمجتمع والبيئة تسترشد بها السياسات الاقتصادية.
إنشاء كيان مؤسسي، هدفه تقديم الخدمات للمواطنين، وإنشاء مؤسسات اقتصادية متطورة،
وتأسيس بنك مركزي قوي قادر على وضع وإدارة السياسات النقدية.. تطوير التعليم.. وجود قضاء وشرطة يتسمان بالعدل والإنصاف، ودعم القيادة السياسية للعملية التنموية ولسياسات الإبداع والابتكار،
ووضع سياسات اجتماعية تدعم المواطنين في مواجهة أي تداعيات لعملية التنمية.
تحقيق الاستقرار السياسي ودعم سياسات التنوع العرقي…مواجهة الفساد.. والاستثمار في العنصر البشري والاهتمام بتحسين الأحوال المعيشية للناس.. مواجهة التحديات المالية والاستفادة من الموارد المالية المتاحة لمواجهة مشكلات مثل عجز الموازنة وغيرها.
سنغافورة وقعت في أخطاء عدة، ينبغي تجاهلها، منها:
تعظيم دور الشركات متعددة الجنسية، والاعتماد المبالغ فيه على العمالة الأجنبية.
التجربة الكورية
كوريا الجنوبية وسنغافورة قدوتان في مجال التنمية.. على هامش لندوة التي نظمها مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تحت عنوان «التجربتان التنمويتان لكوريا الجنوبية وسنغافورة.. دروس مستفادة لدولة الإمارات العربية المتحدة»
قال الدكتور سانغ- أوونام، أستاذ شرف في معهد كوريا لتطوير السياسة العامة والإدارة، في جمهورية كوريا الجنوبية،
إن أبرز خصائص هذه التجربة تتمثل في:
دعم القيادة السياسية العليا لعملية التنمية الاقتصادية،
ووضع سياسات اقتصادية تركز على زيادة التصدير وتطوير صناعات متقدمة،
إقامة شراكات تنموية بين الحكومة والعائلات المالية الكبيرة، والاستثمار في العنصر البشري، كما أوضح أن تجربة كوريا بدأت في مستهل الستينيات من القرن الماضي،
ارتفاع متوسط دخل الفرد أقل من 100 دولار، وبلغ نحو 27 ألف دولار،
عمل رئيس البلاد في الستينات على تحقيق نمو اقتصادي سريع، فتم إنشاء هيئة التخطيط الاقتصادي، التي لعبت دوراً كبيراً في تحقيق التنمية في كوريا الجنوبية؛ واعتمدت استراتيجيات تنموية ركزت على تعظيم حوافز التصدير،
كما اتجهت إلى جمع التكنولوجيا وتصنيع المنتجات التقنية وتصديرها بديلاً عن المنتجات الأولية،
بحيث بات ما يتم تصديره هو المنتجات الصناعية النهائية وليس المواد الأولية أو الخام. ثم اتجهت كوريا أيضاً إلى إنشاء أسواق محلية لتصريف منتجاتها، وعملت على تعظيم مواردها من العملة الصعبة، فيما قلصت من اعتمادها على الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خوفاً من سيطرة الشركات المتعددة الجنسية على الاقتصاد.
ثم اتجهت كوريا إلى الصناعات الثقيلة، إلى جانب الاهتمام بالصناعات الإلكترونية، فاهتمت الحكومة بتقديم حوافز ضريبية ودعم مالي للصناعات المحلية، فدخلت في شراكات مع البنوك والعائلات المالية الكبيرة..ثم عملت الحكومة منذ السبعينات على الاهتمام بالتعليم إضافة إلى الاهتمام بالتعليم المهني.
مئآتا مليون عين صينية؟
الصين أمضت اربعين عاما من الاصلاحات و الانفتاح .. لقد خاض الشعب الصيني كفاحاً وعملاً شاقاً لتحرير و تطوير قوى الانتاج الاجتماعية من ١٩٧٨ حتى ٢٠١٧، فارتفع دخل الفرد من ١٥٥ دولار إلى أكثر من ٨٨٠٠ دولار في ٢٠١٧.
في الصين تخلص أكثر من ٧٠٠.. مليون فرد من الفقر فارتفع نصيب صناعة (قطاع الخدمات) فحققت اعلى معدل التحول الحضري في البنية التحتية كما طرحت مبادرة “الحزام و الطريق” لتنفيذ الانفتاح تجاه الخارج بشكل كامل كسياسة وطنية أساسية،
فالصين حاليا ثاني أكبرإقتصاد في العالم ولديها أكبر احتياطي نقدي في العالم وتستمر في سياسة طموحة في ٢٠١٨ منها حماية الملكية الفكرية و تخفيض عتبة دخول السوق الصينية و خلق بيئة جاذبة أكثر ..
سكان الصين ١,٤مليار نسمة تحتاج إلى قيادة صلبة ضد الفساد و الجريمة يراقبها٢٠٠مليون عينا الكترونية عبر البلاد..
الصين ليس لديها انترنت بل لديها شبكة صينية بكافة واسائل التواصل الصيني فقط .. تعمل في بحوث الطاقة النووية و عصر الحوسبة السحابية وصناعة الجيل الرابع « الصناعة الذكية» من خلال منطقة نموذجية وطنية “صنع في الصين ٢٠٢٥” مدن المستقبل الصينية ذكية ذات واقع افتراضي.
يقال: أن الانسان الصيني يولد بيدين وفم واحد في حين يولد العربي بفمين و يد واحدة!
السر إذن ليس في المساحة أو الثروات إنما في البشر!.
ملامح مستقبل التجربة السعودية
يرتكز مستقبل المملكة “الواقع الافتراضي” على القيادة القوية الصارمة .. مدن ذكية.. صناعة منتجات نهائيه وليس أوليه.. مدن عالمية .. عدالة.. نزاهة.. بنية تحتية متكاملة .. شراكات دولية متوازنة .. تسعى بذلك لتخطي الكسل و التواكل والتسكع بين التجارب العالمية،
قد تعيقنا لفترة من الزمن القيادات الفئوية، المتسلقة “نثرا وشعرا” ورسوما متحركة بالعروض و الارقام و الوهمية، ما قد ينتج عنها حوكمة مخملية ..
إن محور المستقبل هو الانسان العالمي المتعلم المنفتح .. مدن درجة عالمية ثم دولة درجة عالمية باستعمال تطبيقات التميز العالمي، من حيث انتهى العالم ..
الواقع مازلنا في مرحلة ترسيخ الهوية السعودية فقد تستغرق ربما اربعون عاما لكن يجب ان تبدأ ملامحها خلال خمس سنوات.
حاجتنا الآن كيف نجعل الجيل الجديد يجدف بنفس الاتجاه، بالتعليم الموجه لرؤية ٢٠٨٠ و ليس ٢٠٣٠ فقط ؟
فالاستثمار في التعليم مكلف، فلا بد من جني فوائده على المدى القريب و المتوسط و البعيد!.
أخيراً:
سُألت زرافة : إلى أين يصل عمق النهر؟
فأجابته :إلى الركبة
قفز الغزالان في النهر وغرقا !
وبمشقة خرجا وصرخا في وجه الزرافة: ألم تخبرينا أنّ الماء يصل للركبة؟
قالت : نعم لركبتي !
حين تستشير أحداً سيجيبك حسب تجاربه المناسبة له، والتي قد لاتناسبك، فلا تأخذ تجارب غيرك كحلول لمشاكلك.
(حلاة الثوب رقعته من فيه) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق