بقلم عبدالغني محمد الشيخ
سُمُوّكم.. ياليت تقرأ المقال من آخره ..
تواجه المؤسسات صعوبة بالغة في اختيار القيادات الإدارية، فإما أن يُعين قيادي إداري محترف و تحت إدارته موظفون “مستواهم أقل بكثير” من المستوى المطلوب، أو العكس. ربما تلاحظ قيادي ينزل على الكرسي بالباراشوت، يعمل مع كفاءات “أكبر منه بكثير” .. فيكون “كالأطرش في الزّفه”، فتحل بالجهاز مخاطر جسيمة قد تكلف الدولة مليارات و ارهاصات، تظهر اليوم أو بعد حين!.
فإن توفر القيادي (الباراشوتي) غالباً لاتتوفر فيه المهارات القيادية المطلوبة للمنصب، حتى و إن حصل على تدريب وتطوير لمهارات القيادة؛ تجده يتعثر في حل المشكلات وغيرها، فيقلب الجهاز فوقاني تحتاني.. لأنه صاحب صلاحية، من راعي الصلاحيات..
قال لي أحد الظرفاء ذات مرة:
أنتظرنا المدير يخرج علينا من أعضاء الفريق، فإذا به ينزل علينا من المدرجات!.
الواقع المرعى أخضر لكنّ العنز مريضة.!
لابد من التحديات في إختيار الأمثل في المواقع الحساسه، ووجود حاجة ملحة للتدريب والتطوير النوعي، تدريب يصب في خدمة المستهدفات، ليس كما أتفق، وتحت أي ظرف.
لماذا ركزنا على الكم دون الكيف؟
ربما أصبحنا بلد المليون “دكتور” في الادارة و النجارة، بهذا الكم يفترض أن يكون لدينا مليون بحث علمي مُحّكم من خارج أسوار الجامعات، منشور في دوريات علمية دولية، ينقلنا بسرعة الصاروخ إلى مصاف الدول الصناعية العظمى. طبعا لا يوجد دراسة احتياج كما و نوعاً.. ولم تستفد منهم البلد لوجود معوقات بيروقراطية وضعت في ظروف معينة قبل عشرات السنين ولم تحدث حسب مقتضيات الحال.
لقد ركز تعليمنا على الكم لا الكيف، مما أوجد فجوة في المخرجات مع المتطلبات، قاد البلد إلى شحّ في القيادات الادارية النوعية.
التعليم يَبُخ شهادات ..
مع مخاض التحول الوطني ٢٠٢٠ انكشف المستور. فالكل الآن حايص لايص في الحصول على مدير يحمل فكر موائم مع رؤية ٢٠٣٠ يمكن الاعتماد عليه في بناء فرق عمل مدمجة تلبي المستهدفات.. فاتضح مؤخراً بان التعليم في إحدى مراحل مسيرته كان يَبُخ شهادات باليسير من التربية و الشارد من المعارف،
فلاذت الأجهزة الحكومية لإرمكة إداراتها (من شركة أرامكو) في الصحة والطيران والاتصالات والبلديات والإنشاء و التعمير وغيرها.. فحصل هدر في الموارد و إرباك في الأداء.
هناك مسلمات في التعيين و التوظيف لا يمكن التنصل منها.. إذ الفناها منذ الصغر، فنأمل أن تنحسر مستقبلا؛
فأن يتم تعيين وزير من خارج وزارة قائمة، فيها مئآت الالاف من الموظفين من مختلف التخصصات، تحدٍ كبير.. كالذي يضع قطعة داخل قالب، لايمكن يكون مقاسه بالضبط..
فإما ان تكون أكبر أو أصغر.. فيلجأ للتوليف و الموائمة، وربما ينصهر داخل المكينة بفعل سرعة الدوران وسخونة المعادن الأساسية..
لذا لم تندمج سياسة و اجراءات الوزارات كوحدة مؤسساتيه واحدة.
قد يمتلك شخصٌ ما..مَلَكة القيادة لكنه لايولد مديرا تنفيذيا يجيد كل فنون ومهارات الادارة، هنا تأتي الموائمة بالتدريب واعادة التأهيل لكن بتكلفة أعلى و وقت أطول .
كيف يختار ولي العهد القيادات الادارية؟
يعمل سمو ولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان أن تكون الصورة الكبيرة للمملكة حاضرة دائما في مقدمة ذهنه، فوجد ضرورة أن تكون الاصلاحات الأساسية جذرية.. وهي تماما ما تحتاجه الدولة،
مما دعا سموه إلى قراءة المشهد من آخره،
فيقضي سموه طيلة وقته بتوحيد تركيب الأفراد مع المجموعة، فعندما تُتْرك لتقف بمفردها لن تكون أكثر من تحركات صغيره،
لكن عندما تكون مجتمعة تحدث انقلابات عظيمة.
وليس من السهل تخيل نجاح رؤية ٢٠٣٠ والتغاضي عن الجروح و الآلآم وربما الفوضى و العائدات غير الواضحة التى قد ترافق الإصلاحات الجذرية؛ الا نمتلك هذا الشعور عندما نكون في المنتصف؟،
لكن في المنتصف تكون القيادة أصعب..
إنه الوقت الذي تكون قد قطعت فيه شوطا طويلاً ولا تستطيع أن تتذكر ما الذي أقنعك في البداية أن ذلك كان ضرورياً، لكنك بعيد جدا عن نقطة البداية لترى الضوء آخر النفق.
تلكم المعطيات دعت سموه للخروج عن المعهود واختيار نماذج قيادية بسمات شخصية وصفات تحويلية، بأعين مشرقة و أرواح مبتهجة، قادرة على خوض ماراثون التتابع. حيث القيادة المميّزة تغير الأشياء بقسوة وخطورة.
وهذه القدرات لا تتوفر بالاسلوب التقليدي في التوظيف و التعيين.
قد يتطلب الوصول لتحقيق الرؤية في إحدى مراحل التحول إلى الآف من المتطوعين، كما حدث عندما جرى ترميم مدينة برشلونة لاستقبال اولمبياد١٩٩٢عندما كانت محطة استراحة ركاب الترانزيت منخفض القيمة.. إلى أن حققت قبل سنوات لقب «مدينة عالمية»، حيث اليوم هي ثاني أفضل وجهة في أروربا.
لذا دعوت سموكم إلى قراءة مقالي هذا من آخره .. تماما كالنتائج الباهره التي نستشرفها بعد أن توضع الأمور في نصابها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق