قيمة مضافة أم عبئ اقتصادي؟
مؤسسات المجتمع المدني ذراع إنساني و اقتصادي في غاية الأهمية لتعزيز المواطنة الايجابية في أي دولة، يتمتع القطاع التطوعي باستقلالية تشريعية و تظيمية و دعم حكومي واسع.. في أوروبا مثلا، الجمعيات ليست مجرد جزء من الحل للمشاكل الاجتماعيه إنما لها دور في دفع عجلة التنمية الاقتصادية، في المملكة المتحدة وحدها، يعمل حوالى ثمان مئة الف شخص في هذا القطاع، يساهمون في توليد سبعة و ثلاثين مليار جنيه استرليني و يضم مليونا متطوع.. يضحون بملايين الساعات من وقتهم لمساعدة الآخرين كل عام.
غياب البيانات... نعمة!
يخضع اي مشروع لدراسة مستفيضة تقوم على معطيات واقعية مبنية على بيانات و أرقام مؤكدة من جهات موثوقة و محايدة تبين الاحتياج الفعلي لإنشاء منظمة تطوعية غير ربحية لخدمة ما، في نطاق جغرافي معين؛ أما أن يطلق العنان لقبول طلبات تأسيس منظمات غير ربحية بمحتوى ركيك لمجرد مطابقتها لشروط أشبه بالرضا و القبول في الزواج، فُيفتح الباب لكل شخص متحمس عنده وقت فراغ راغب في مكانة اجتماعيه معينه يحق له التبضع في سوق الجمعيات الخيرية و التجوال في مكاتب أهل الخير لدعم جمعيته؛ مستثمرا غياب قواعد البيانات الدقيقة التي توضح حجم المشكلة الاجتماعية و مقدار الحل وكذلك بيان الايرادات المتوقعة و الرؤية الاقتصادية و غيرها من معطيات الجدوى الاجتماعية و الاقتصادية للحاجة الفعلية للمشروع، بعبارة "رشيقة" تتحول الجمعيات الى وسيط بين المستفيد و أهل الخير.
الرئيس الداعم.. و المجلس الشرفي..
الواجب أن يتقدم رجال الاعمال ذي الملاءة الماليه أو مختصون في مجالات مهنية مع فريق عمل متخصص لتأسيس منظمة غير ربحية في منطقة معينه ببرنامج عمل و ميزانية تشغيلية للجهات المختصة من أجل تقديم خدمات نوعيه بقيمة مضافة .. فقد صنفت وزارة العمل و التنمية الاجتماعيه المنظمات غير الربحية لديها إلى قسمين جمعيات و مؤسسات، تشرف الوزارة على ما "يقارب" على 686 جمعية و 148 مؤسسة خيرية.. فتتنوع خدمات هذه "الجهات" غير الربحية من حيث الخدمة إلى انسانية و خيرية؛ ومن حيث التخصصات إلى طبية، رعاية أيتام و أرامل، أطعام، كساء ونحوها؛ تتقاضى هذه الجهات 753 مليون ريال تقريبا و لا يعرف مستوى انتاجياتها أو عوائدها الا اللهم تقرير محاسبي يستصدر سنوياً بصورة روتينية ينسق محتواه حسب الطلب.
النمو و الاستدامة..
المقتدرون صنعوا من الجهات غير الربحية كيانات اقتصادية ذات سمعة عالمية برسالة إنسانية رفيعة المستوى و رؤية ثاقبة و اهداف ممكنة.. صنعوا كيانات قابلة للنمو و الحياة حتى في أحلك الظروف الاقتصادية، فحققت قيمة مضافة للمجتمع.. توالدت مداخلها فشكلت رقما مهما في الاقتصاد الوطني فضلا على إدارة رشيدة محترفة بشفافية عاليه؛ ترعى المستفيدون بمنتهى الرقي و المهنية.
الفقير يحتاج من يراعي الله في حاله و يكون عون لا فرعون.. فيكفيه هم الزمن!
في الجانب الآخر مجموعة أشخاص عندهم وقت فراغ يرغبون مكانة اجتماعية يقومون بتأسيس جمعية، يودعون مئة الف ريال على عشرة أشخاص "بالقطة" وبضع أوراق مع تزكية باسم شخصية اعتبارية ينتهى الأمر بصدور قرارتأسيس الجمعية،
مصاريف أجور و إيجارات وسفر و اقامة، فيبدأ الأعضاء باستجداء أهل الخير بالتالي تصبح الجمعية عبئ على الدولة و حالة غير موثوقة لدى المجتمع..
أجزم؛ ان النوايا طيبة إنما قدرات المؤسسين الادارية و المالية ربما لا تدعم نواياهم.
الواقع ان توجه الدولة هو دعم الجمعيات الخيرية لتصبح ذراع استثماري خيري يخفف على الوزارة عبئ المسؤولية، كما أن الوزارة بدأت فعلا بمراجعة "عشوائيات" الجمعيات الخيرية لعلها تهتدي إلى مبادرات تنهي هيستيريا الجمعيات في البلد .
رئيس مكتب العقل الرفيع للاستشارات الادارية و التحول المؤسسي
gmac.jsa@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق