الكاتب جيم كولينج
أهمية هذا الكتاب انه يقدم معالجات مهمة حول أسباب نجاح شركات كبيرة ، وفشل أخرى عبر مقارنات مقننة بين إحدى عشرة شركة من خمسمائة شركة ناهضة. لقد توفر في هذه الشركات الـ11 شرط أساسي، وهو النجاح التصاعدي في العائد على الأسهم لمدة خمسة عشر عاما، بينما سجلت شركات أخرى تماثلها في النشاط وتخلفها في الإنجاز، انحداراً في العائد على الاستثمار. وغرض المقارنة هو كشف الخصائص المتشابهة والخصائص التي تفردت بها الشركات ناجحة الأداء. وابرز ما عرضه الكتاب مجموعة نقاط ثمينة من بينها التقليل من دور القيادة، إذ يؤكد الكاتب أن القيادة عامل واحد من ضمن عوامل أخرى »الثقافة، الموارد البشرية، التقنية« تقرر نجاح أو فشل المنظمة. ويدعو المؤلف إلى تجاهل دور القيادة لكي لا يحرم الباحثون والمطورون من نعمة التبصر في العوامل الأخرى، لأن القادة العظام موجودون حتى في المنظمات الفاشلة. التقليل من دور التقنية من خلال 84 مقابلة أجريت مع المديرين التنفيذيين من جيدين إلى ممتازين، لم يذكر 80 في المائة منهم التقنية كأحد أهم العوامل الخمسة في النجاح المتميز. وهذا صحيح حتى في الشركات المشهورة بريادتها في تطبيق التقنية كشركة Nucor. التقليل من دور التغير يقول الكاتب أن تصور فكرة التغير هو السبب الرئيسي في هبوط الشركات التي حققت مرة العظمة »أو الحالة المتوسطة المتكررة للآخرين« هي فكرة بلا دليل يؤيدها. ومن المؤكد
أن أي شركة لا يمكن أن تظل متراخية ثم تأمل أن تكون عظيمة، ولكن التقنية بحد
ذاتهالمتكنقطسبباأساسيالأ ٍيمنالصعودأوالهبوط.
تقليل فاعلية الاستقطاب من خارج المنظمة:
يذكر المؤلف أن عشرة من بين أحد عشر من المديرين التنفيذيين من جيد إلى
ممتاز يأتون من داخل الشركة; بينما الشركات التي تمت مقارنتها غالبا ما
جربت مديرين تنفيذيين من خارج الشركة لست مرات. وحتى يكون عامل القيادة
فاعلاً ومؤثراً في المنظمة عليه العمل بالآتي:
الاتصاف بالتواضع والنزاهة والبعد عن الخوف وعدم الاستسلام للضغوط كما
فعل الرئيس الاميركي إبراهيم لنكولن ورئيس شركة جليت. فالقائد ليس
بالضرورة شخصية فذة. وينبه المؤلف الى ان الاختيار الصحيح للموارد
البشرية هو الثروة الحقيقية لأية مؤسسة، لكن قبل التفكير في بنائها، يجب
اختيار الأشخاص الذين يستحقون العمل فيها.
ويقول المؤلف ان القائد الناجح لديه اليقين بالنجاح. وان الإبداع يتفوق على
الأقدمية إذ أن ممارسة الفرد لمهنة مدة طويلة لا تعني أنه أفضل من يؤديها.
وكذلك ان القائد الناجح يخلق ثقافة الانضباط الذاتي بدلا من أساليب الترهيب
والترغيب، وتكون لديه قدرة على التوظيف المتبصر للتقنية. وينصح بان يكون
التغيير مرحليا وطبيعيا وغير دراماتيكي.
ويشير الى ان للقياديين خمسة مستويات، ففي كل شركة جيدة ـ إلى ـ عظيمة
لديها قيادة ذات مستوى »5« أثناء السنوات الانتقالية المحورية. يشير مستوى
»5« إلى تسلسل هرمي ذي خمسة مستويات من القدرات التنفيذية، يكون
مستوى »5« في أعلاها. ويجسد القادة عند مستوى »5« خليطاً متناقضاً من
التواضع البشري والإرادة المهنية. ومن المؤكد أنهم طموحون، ولكنهم في المقام
الأول طموحون لأجل شركتهم لا لأنفسهم. يع ّد القادة عند مستوى »5« أتباعهم
لتحقيق نجاح أكبر في الجيل التالي، بينما القادة عند مستوى »4« المرتكزون
حول ذواتهم غالبا ما يعدون أتباعهم للفشل. كما أنهم يتصفون بالتواضع
والتفهم والاهتمام ببناء الذات. وفي المقابل، ثلثا الشركات التي تمت مقارنتها
كان قادتها ذوي اهتمام شخصي بأنفسهم، ما أدى إلى تدني حالة تلك
الشركات. القادة عند مستوى »5« مدفوعون بحماس لتقديم نتائج دائمة، وهم
عازمون على القيام بما من شأنه أن يجعل الشركة عظيمة، بغض النظر عن مدى
كبر أو صعوبة القرارات التي يتخذونها، وهم جادون في عملهم لا متظاهرين
بالعمل. وهم يعزون النجاح إلى عوامل مهنية لا إلى أنفسهم. وعندما يكون
أداؤهم سيئاً فإنهم يلومون أنفسهم، ويتحملون كامل المسؤولية عن ذلك. أما
المديرون التنفيذيون للشركات غير الناجحة فيفعلون العكس، إذ يعدون النجاح
أمراً مضموناً، ولكنهم يلومون الآخرين بسبب النتائج الفاشلة. وأحد الاتجاهات
الأكثر تدميراً هو الميل »لاسيما ميل مجالس الإدارات« إلى اختيار قادة باهرين
يخطفون الأبصار، مع عدم التدقيق في اختيار قادة قديرين عند مستوى »5«.
أعتقد أن القادة القديرين عند مستوى »5« موجودون حولنا، إذا علمنا ما
نبحث عنه، وأن العديدين لديهم القدرة على الانتقال إلى مستوى »5« للقيادة.
ويعزو القادة عند مستوى »5« الكثير من نجاحهم إلى الحظ لا إلى عظمتهم
كأشخاص. النقطة الأساسية في هذا الفصل هي ليست فكرة الحصول على
الموظفينالمناسبينفيفريقالعمل،بلإنالإسئلةعن» َمن«whoتأتيقبل
القرارات التي تسأل عن »ماذا« what،أي قبل تحديد الرؤية، والاستراتيجية،
والهيكلالتنظيمي،والخططالتكتيكية.أولا َمنثمماذاوفقمايمليهأينظام
شديد يتم تطبيقه. الشركات التي تمت مقارنتها تتبع نموذج »العبقرية مع آلاف
المساعدين« وهو قائد عبقري يضع رؤية وقائم ًة بطاقم من »المساعدين«
القادرين من أجل تحقيق الرؤية. ويفشل هذا النموذج حين ينتفي وجود
العبقرية. كان القادة من جيد إلى عظيم شديدين وغير قاسين في قرارات
الموظفين. وهم لم يعتمدوا على البطالة وإعادة الهيكلة كاستراتيجية رئيسية
لتحسين الأداء. والشركات التي تمت مقارنتها كانت تستخدم البطالة إلى حد
كبير جدا. لقد كشفنا عن ثلاثة نظم عملية لكي نكون شديدين في قرارات
الموظفين: عندما تكون في شك، لا تعين.. استمر في النظر »ينبغي أن تحد
الشركةمننموهااستناداإلىقدرتهاعلىاجتذابعددكا ٍفمنالموظفين
المناسبين«. عندما تعرف أنك بحاجة إلى إحداث تغيير في الموظفين، تصرف.
»أولاً، كن متأكداً من عدم وجود موظف لديك في المكان غير المناسب«. ضع أفضل
موظفيك في أكبر فرصك، وليس في أكبر مشكلاتك. »إذا كنت تتخلص من
مشكلاتك، فلا تتخلص من أفضل موظفيك«. فرق الإدارة من جيد إلى عظيم
تتألف من موظفين يجادلون بشدة بحثاً عن أفضل الإجابات، وعمن يتحدون
خلف القرارات بغض النظر عن المصالح الفردية. لم نجد نموذجا منهجيا يربط
التعويض التنفيذي بالانتقال من الجيد إلى العظيم. والغرض من التعويض
ليس هو تحفيز السلوكيات الصحيحة من الموظفين غير المناسبين، ولكن
الحصول على الموظف المناسب في المكان المناسب. المقولة القديمة بأن: »الناس
هم في الأصل الأكثر أهمية« خاطئة. فالناس ليسوا هم الأكثر أهمية. ولكن
الموظفين المناسبين هم الأكثر أهمية. وسواء كان شخص ما هو الشخص
المناسب فإن لهذا علاقة بالخصائص الشخصية، والقدرات الذاتية أكبر من
علاقته بالمعرفة الخاصة أو الخلفية أو المهارات. جميع الشركات من جيدة إلى
عظيمة بدأت عملية إيجاد طريق نحو العظمة بمواجهة الحقائق القاسية
لواقعهم الحالي. عندما تبدأ بمجهود صادق ومثابر لتحديد حقيقة موقفك،
غالبا ما تصبح القرارات الصحيحة واضحة بذاتها. ومن المستحيل اتخاذ قرارات
جيدة من دون رفض العملية برمتها بمواجهة صادقة للحقائق القاسية. المهمة
الأساسية في نقل الشركة من مستوى جيد إلى مستوى عظيم هي إيجاد ثقافة
تكون للموظفين فيها فرصة هائلة لأن يتم سماعهم، وللحقيقة أن تُسمع. إيجاد
مناخ تكون الحقيقة فيه مسموعة إنما يتضمن أربع ممارسات أساسية:
* قيادة المنظمة بطرح الأسئلة وليس بالإجابات.
* المشاركة في الحوار والنقاش وليس بالإكراه.
* معرفة الأسباب وراء كل تصرف من دون لوم.
* بناء الآليات الثورية التي تحول المعلومات المتوفرة إلى معلومات لا يمكن
تجاهلها. ولقد واجهت الشركات التي انتقلت من درجة »جيد« إلى درجة
»عظيم« موقفا صعباً كالذي واجهته الشركات المقارنة، ولكنها استجابت إلى
هذا الموقف الصعب بشكل مختلف. ونتيجة لذلك، خرجت من المواقف الصعبة
التي مرت بها أكثر قوة. القاعدة النفسية الرئيسية للتوجه من جيد إلى عظيم
هي كالتالي: حافظ على الإيمان المطلق الذي سوف يسود في النهاية، رغم ما
يواجهه من صعوبات، وفي الوقت نفسه واجه الحقائق الأكثر قسوة في واقعك
الحالي، أياً كانت. يمكن الاعتماد على الكاريزما الشخصية كأصل، إلا أن قوة
شخصيتك القيادية يمكن أن تمنع الناس من إخباركم بالحقائق القاسية. لا تبدأ
القيادة بالرؤية فقط، وإنما هي تبدأ بأن تجعل الناس يواجهون الحقائق
القاسية، وأن يتصرفوا حيالها. إن بذل الوقت والطاقة محاولاً تحفيز الناس لهو
مضيعة للجهد. والسؤال الحقيقي هو: كيف نحفز موظفينا؟ إذا كان لديك
الموظفون المناسبون فسوف يكون لديهم الحافز الذاتي. وليس المفتاح هو عدم
تحفيزهم. وأحد الطرق الأساسية لعدم تحفيزهم هو تجاهل الحقائق القاسية.
تعتمد النتائج العظيمة الدائمة على بناء ثقافة مليئة بأناس منظمين ذاتياً
يتخذون أفعالا منظمة، وينسجمون بحماس مع الدوائر الثلاث. ومن المعروف ان
الثقافات البيروقراطية من أجل تعويض عدم المنافسة ونقص النظام، والتي
تنشأ عن وجود الأشخاص غير المناسبين في المكان المناسب. وإذا حصلت على
الناس المناسبين في المكان المناسب فلست بحاجة إلى الملل واليأس من
البيروقراطية. أما ثقافة النظام فهي تقوم على ثنائية: فمن جهة، تتطلب من
الموظفين أن يتبنوا نظاما متماسكا، ولكنها، من جهة أخرى، تمنح الموظفين
الحرية والمسؤولية داخل إطار ذلك النظام. كما إن ثقافة الفعل حول الفعل فقط،
ولكنها تدور حول الحصول على الموظفين المنظمين الذين يشاركون في الفكر
المنظم، والذين ـ من ثم ـ يتخذون فعلا منظما. الشركات من جيد إلى عظيم تظهر
مملة، ولكنها ـ بنظرة أعمق ـ مليئة بأناس يظهرون المثابرة الشديدة. ولا ينبغي
أن نخلط بين ثقافة النظام وبين الطاغية الذي يتولى التنظيم ـ فهذان مفهومان
مختلفان، فأحدهما مهني للغاية والآخر غير مهني للغاية. والمديرون
التنفيذيون الذين يتولون التنظيم من خلال قوة شخصياتهم يفشلون عادة في
تقديم نتائج مستمرة. الصيغة الوحيدة الأكثر أهمية للنظام من أجل الحصول
على نتائج مستمرة هي التمسك بقوة بمفهوم Hedgehog، والرغبة في تجنب
الفرص التي تقع خارج الدوائر الثلاث. :»احبو، امشي، اجري«. وكلما توفر
للمنظمة نظام للبقاء داخل دوائرها الثلاث بتماسكها ، كلما كثرت فرص النمو.
إن الغرض من الموازنة في الشركة التي انتقلت من »جيد« إلى »عظيم« ليس هو
إقرار مدى ما يحققه كل نشاط، ولكنه معرفة المجالات التي تتناسب أكثر مع
مفهوم Hedgehog والمجالات التي ينبغي أن يتم تمويلها بصورة كاملة وتلك
التي لا ينبغي أن يتم تمويلها مطلقا. قوائم »توقف عن فعل كذا« أكثر أهمية من
قوائم »افعل كذا«.
المنظمات من جيدة إلى عظيمة تفكر بشكل مختلف حول التقنية والتغير التقني
عما تفكر به المنظمات المتوسطة. المنظمات من جيدة إلى عظيمة تتجنب
التقنيات التي تأتي في صورة تقاليع، ولكنها تصبح رائدة في تطبيق التقنيات
المختارة بعناية. السؤال الرئيسي حول أي تقنية هو: هل التقنية تتناسب
مباشرة مع مفهوم Hedgehog؟ فإذا كانت الإجابة بنعم، إذن فأنت بحاجة إلى أن
تصبح رائدا في تطبيق تلك التقنية. وإذا كانت الإجابة بـ لا، إذن فيمكنك
الاستعاضة عنها أو تجاهلها تماما. ولا توجد شركة من هذه الشركات بدأت
تحولاتها بالريادة في التقنية، ولكنها جميعها أصبحت رائدة في تطبيقات
التقنية حين أدركت مدى مناسبتها لدوائرها الثلاث، وبعد انطلاقتها. رد فعل
إحدى الشركات نحو التغير التقني هو مؤشر جيد على دافعها الداخلي من
أجل التقدم نحو العظمة في مقابل الحالة الوسط. والشركات العظيمة تستجيب
بالتفكير والإبداع، مدفوعة بالتزامها بأن تحول القدرات إلى نتائج. أما الشركات
المتوسطة فيكون رد فعلها مدفوعاً بالخوف من أن تتخلف. يمكن أن يكون
مدخل :»احبو، امش، اجري« مدخلاً فعالاً، حتى أثناء التغير التقني السريع
والجذري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق