إدارة
الموارد البشرية الحكومية.. صدمة الحضارية
بقلم: المستشار د.عبدالغني محمد الشيخ
مع مطلع الثمانينات الميلادية درسنا إدارة الأفراد
التي كانت تُعنى بالتخطيط و التنظيم و التنسيق، و توجيه و رقابة، في تلك الأثناء كنت
أعمل بالخطوط السعودية، المدرسون بالجامعة كانوا خريجو امريكا، و المناهج اجنبية
مترجمة في الغالب. فإدارة الأفراد التي درسونا اياها لم تخرج عن نطاق النظرية و
الفرضيات؛ درسناها على اعتبار أن الفرد ترس في ماكينة انتاج، بعيدا عن اي اعتبارات
اخرى.. في حين كانت الخطوط السعوديه تطبق منهج القوى العاملة آنذاك و الذي كان أعلى
بدرجات من مفهوم إدارة الأفراد، لإعتماده مبادئ أنسنة العمليات و الاهتمام
بالمخرجات كأحدى مكونات إدارة القوى العاملة؛ و من أوجه هذا المنهج أيضا السلامة
المهنية،الرعايه الصحيه و العمل بروح الفريق أي بمفهوم "أسرة الادارة" إلى
جانب سياسات التحفيز و الترفيه مع
الالتزام بالتشغيل المعياري بجودة و احترافية؛ و لا أنسى الدعم التعليمي المالي الذي
كنا نحصل عليه في جميع المراحل الدراسية كذلك كنا نحصل على هدية المولود وخلافه، كان
له أثر كبير في ترقية مراتب الانتماء للمؤسسة لدى الموظف، طبيعي لكل نموذج مزايا و
عيوب،
بدأت الخطوط السعودية تطبيق منهج إدارة الموارد
البشرية في مطلع التسعينات الميلادية؛ فظهرت معها ادارات تخطيط الموارد البشرية
كذراع مهم لتحديد الاحتياج الفعلي بمراكز التكلفة و مؤشرات الاداء و الجودة، كما
ظهرت فاعلية إدارة الهندسة الصناعية في مراجعة و تطوير الهياكل و الدراسات
التنظيمية، كما تطورت إدارة سجلات الموظفين و أصبح دور ادارة المزايا و الجمعية
التعاونية ايقونة للعناية بالموظف "بالسعودية" و فاعليته الانتاجية.. بالمناسبة؛
الخطوط الجوية العربية السعودية مؤسسة عامة حكومية ١٠٠٪ موظفوها خاضعون لنظام
الخدمة المدنية و معاشات التقاعد،
مما تقدم يلاحظ تنامي الاهتمام بالموظف كانسان و مكون
من مكونات رأس المال بحيث تتم رعايته و تنميته و تطويره باستمرار لمواجهة المتغيرات
التشغيلية و الفكر الاداري ضمن منظومة مؤسساتيه تفاعلية،
استبشرنا نحن
رواد الموارد البشرية في المملكة بتدشين إدارة الموارد البشرية في الاجهزه
الحكومية، منذ عامين ونيف تقريباً لكنها إلى الآن تتقدم خطوة و تتراجع خطوتين!
في ٢٠١٤ عملتُ مستشارا بمكتب التحول في مكتب وزير
الصحة، بدأنا أولى مبادرات المكتب ببرنامج NPW التخفيف من العمل الورقي؛ فتركزت المبادرات
على تفعيل الانترانت فوجدنا تحديات و مقاومة شديدة، ليس حبا في العمل الورقي و
إنما جنوحاً للاسترخاء، وبعد سنتين تقريبا تحقق ٣٠٪ فقط من الهدف و حتى هذه النسبة
ما تزال تجد عنادا من البعض في المعاملات الرقمية، إما انه لا يفتح الجهاز أصلا أو
يتجاهل المخاطبات الا مادمت عليه قائما!
من ناحية أخرى، بلغ معدل الدوران الوظيفي ببعض الاجهزه
الحكومية باحدى المناطق ٤٠٪ (هي نسبة دخول
و خروج الموظفين من و إلى الأقسام و الادارات) بمعنى ان يقوم المدير المكلف بتبديد
الثروة البشرية التى توفرها الدولة بناء على دراسات و خطط تنموية بتحريكهم خارج
الهيكل التنظيمي بعيدا عن تخصصاتهم.. يذهب مدير فياتي آخر يعجزعن فك الاشتباك، فما
عليه الا أن يساير الركب " وللبيت رب يحميه"،
غياب النظام
الصحيح لمراقبة الاداء الالكتروني و الالتزام التنظيمي له آثار خطيره على الهيكل
الوظيفي العام!
و بما أن
الموارد البشرية منهج جديد في الاجهزه الحكوميه و وظائفها غير مصنفة لدى وزارة
الخدمة المدنية و لم تُهيء الجهات بصورة علمية فما كان من هذه الاجهزه الحكومية الا
"الاجتهاد".. إذ إعتمر العاملون في شئون الموظفين قبعة إدارة الموارد
البشرية؛ فتعدلت اللافتات و الوان الديكور و بقي الاشخاص و الاساليب.. يعني
"لابسة الخلاخل"،
يصعب على أي
كاتب سرد كل الممارسات، فالمغالطات مستمرة طالما بقيت ورقة التوت، الحقيقة اذا
اردنا التغيير المؤسسي علينا وضع القوالب التنظيمية أولا ثم اختيار المناسب لها من
القيادات و العاملين، لا أن نقوم بتفصيل الانظمة على اجساد موجودة فنتيجة ذلك؛ هدر
مالي و بشري إلى أن يرث الله الارض و من عليها.
لقد استنَّ الجيل الاتكالي "برغم تأهيله العلمي"
سُنة من قبله.. فاصبحت السيرفرات ادراجا الكترونية و الباسورد حل محل المفتاح فظل
المستفيد تحت رحمة الموظف، غير مسموحا له بالورق و لم يتمكن من انجاز معاملته
الكترونياً إلى أن نستوعب الصدمة الحضارية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق