مذكرات مسؤول سيئ السمعة
بقلم: عبدالغني محمد الشيخ
بعيد انتهاء حرب الولايات المتحدة مع كوريا الشمالية عام 1953م. قام الجنرال وليام ماير كبير المحللين النفسيين في الجيش الأمريكي إذ ذاك بدراسة واحدة من أعقد قضايا تاريخ الحروب في العالم، فقد تم أسر وسجن ما يقارب ألف جندي أمريكي في تلك الحرب، لقد وضعوا داخل مخيم تتوافر فيه كل مزايا السجون من حيث المواصفات الدولية، فهذا السجن كان مطابقًا للقوانين الدولية من حيث الخدمات المقدمة للسجين، ومن حيث معاملته، وهذا السجن لم يكن محاطًا بسور عالٍ كباقي السجون، بل كان يمكن للسجناء الهروب منه!
وكان الأكل والشرب والخدمات متوافرة بكثرة، ولم تكن تُستخدَم أساليب التعذيب المتداولة والمتعارفة في بقية السجون، فقد كانت التقارير تشير إلى عدد وفيات في هذا السجن أكثر من غيره ! هذه الوفيات لم تكن نتيجة الفرار، بل كانت موتًا طبيعيًّا، الكثير منهم كانوا ينامون ليلًا، وما إن يأتي الصباح إلا وقد ماتو، على الرغم من أن علاقتهم ببعضهم كانت علاقة صداقة حميمة جدًّا على اختلاف درجاتهم ورتبهم العسكرية، وحتى علاقتهم بسجانيهم كانت علاقة وديه إلى أقصى حد.
تمت دراسة هذه الظاهرة في سنوات عدة، فاستطاع ماير خلالها الحصول على بعض المعلومات والاستنتاجات من خلال هذه الدراسة تمثلت في الآتي:
كانت الرسائل والأخبار السيئة فقط هي التي تصل إلى مسامع السجناء، أما الأخبار الجيدة فقد كانت تُخفَى عنهم!
وكان السجانون يأمرون السجناء بأن يحكوا على الملأ إحدى ذكرياتهم السيئة حول خيانتهم أو خذلانهم لأحد أصدقائهم أو معارفهم. وكل من يتجسس على زملائه في السجن يُمنَح مكافاة، كسيجارة مثلًا! والغريب في الأمر أنه لم يُعاقَب من يخالف الضوابط والقوانين، ويتم العلم بمخالفته عن طريق وشاية زميله في السجن، وهذا شجع جميع السجناء على التجسس على زملائهم؛ لأنهم لم يشعروا بتأنيب الضمير، وهكذا اعتاد جميع السجناء على التجسس على بعضهم، وذلك لم يكن يشكل خطرًا على أحد.
لقد كشفت التحقيقات أن هذه التقنيات الثلاث، كانت السبب في تحطم نفسيات هؤلاء الجنود إلى حد الوفاة!
كانوا يفقدون الأمل تدريجيًّا من الأخبار السيئة، وذكرياتهم عن الخيانة أمام الملأ ذهبت باحترامهم لأنفسهم ولمن حولهم،
والتجسس على بعضهم قضى على عزة النفس والكرامة لديهم، فبدؤوا يشعرون بأنهم حقراء وأنذال.
والتجسس على بعضهم قضى على عزة النفس والكرامة لديهم، فبدؤوا يشعرون بأنهم حقراء وأنذال.
هذه العوامل مجتمعة أوصلتهم إلى تساوي الحياة والموت لديهم، بل ربما زادت مشاعرهم تجاه عدم الرغبة في الحياة، أو ما يسمى الموت الصامت.
قد تكون هذه الرواية والتحليل مغرقًا جدًّا في الرمزية إلى أبعد حد، ولكن لها شواهد عظيمة في ممارساتنا اليومية خصوصًا مع تزاحم الأخبار وتسارع وتيرة الحياة بشكل طغى على معظم أرجاء حياتنا.
أخيراً: الحرّ تكفيه الإشارة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق